مجلس إنماء الشمال نافذة نحو المستقبل

بقلم ليلى شحود تيشوري_البيان
شهد لبنان فورة اقتصادية منذ ما قبل الحرب اللبنانية لم يكن شمال لبنان مستفيداً منها إلا فيما ندر. ورغم ذلك كان وضعه الاقتصادي أفضل بكثير مما هو عليه اليوم.
بعد اتفاق الطائف تم إنشاء عدة صناديق ومجالس لإنماء المناطق باستثناء الشمال. وكان هذا خطأ فادحاً من الدولة لأنها حرمت الخزينة اللبنانية من وفرة المداخيل نتيجة إهمال ثروات الشمال وعدم استثمارها بما يوفر الرخاء والرفاهية والاستقرار لأبناء الشمال خصوصاً وللبنانيين عموماً.
في عام ٢٠٢٢ تم إقرار مجلس لإنماء الشمال بخطوة متأخرة عما كان يجب ان يكون عليه الأمر. ولكن رغم ذلك يعتبر هذا القرار نافذة نحو المستقبل الزاهر ولكن بشروط أقلها كفاءة الأعضاء للقيام بالمسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقهم وكذلك تجاوب الدولة مع مشاريع وقرارات هذا المجلس.
ومؤخراً تم تعيين أعضاء لهذا المجلس استثنى تمثيل الطائفة الإسلامية العلوية بحجة ان التمثيل هنا هو مناطقي وليس طائفياً. وقد ثارت ثائرة أبناء هذه الطائفة نتيجة الاستثناء. وهذا طبعاً مطلب حق لم يتجاوزه على سبيل المثال لا الحصر المجلس الاقتصادي الاجتماعي ولا مجلس إدارة المعرض. وقد تم تدارك هذا الأمر بتعيين النائب السابق الدكتور علي درويش عضواً في هذا المجلس.
قرأنا في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي والإلكتروني سيلاً من الانتقادات حول هذا المجلس الذي بالكاد أبصر النور وذلك على خلفية أحكام مسبقة ناجمة عن إحباط تراكمي وعن تجارب منيت بالفشل. وهذا أمر رغم وجود مبررات له إلا أنه غير عادل ويتطلب الصبر على هذا المجلس لأنه وإن انطلق بجدية موصوفة فإن النتائج لن تظهر بسرعة حسب التوقعات.
فمضمون عمل هذا المجلس ليس محاضرة أو بياناً أو مؤتمراً أو حديثاً متلفزاً يتسم كل منها بسطحية لمهمة شائكة جدا.
فالإنماء ليس مقاربة للأمور فحسب وليس سرداً للمشاكل أو بنوداً تعرض المقومات والإمكانيات إنه دراسات شاملة كافية ووافية حول كل قطاع على حده كالسياحة والحرف والزراعة والاتصالات والبنى التحية والصرف الصحي والنقل (مطار القليعات والنقل العام) والطاقة المتجددة والبيئة والاجتماع والاقتصاد والسكن والتكنولوجيا وكل ماله أبعاد أيكولوجية واقتصادية واستثمارية وغيرها كثير. بما ينعكس إيجاباً على شمالنا ويطلق مشروع تسويق الشمال على الخريطة السياحية محلياً ودولياً وبما يعزز دور هذه المنطقة كمنصة لوجستية لخدمة الأسواق الإقليمية، وبما يدفع باتجاه إنشاء بيئة حاضنة للشركات الناشئة وريادة الأعمال، وبما يحسن جودة الخدمات العامة، وبما يؤمن حسن إدارة ومتابعة مشاريع المناطق التاريخية وخصوصا في طرابلس لجذب السياح والاستثمارات، وبما يؤدي الى تفعيل المرافق العامة، وبما يطلق مبادرات تعزيز المهارات المهنية والتقنية لليد العاملة وتهيئتها للقطاعات الواعدة كالنفط.
في عام ٢٠١٦ كان لي شرف الانضمام الى مجموعة تفكير تعنى مسبقاً وتطوعاً بتحضير ملفات لتكون جاهزة وبمتناول مجلس إنماء الشمال الذي كنت نتوقع إنشاءه قريباً. وكان يجتمع معنا في مقر غرفة التجارة والصناعة والزراعة نخبة من الخبراءبكافة المجالات. وكان يتطلب الأمر الكثير من الوقت وبذل الجهد والتركيز والدقة في العمل. واستمر الوضع على ما كان عليه لحين انتشار جائحة كورونا.
ومن هذه التجربة أنطلق لأتوجه الى مجلس إنماء الشمال بما يلي :
-نتوسم بكم كل الخير فأنتم كفاءات مشهود لها في ميادين شتى
-هذا المجلس لا يستطيع ان يقوم بمهامه لوحده بل يجب ان يتواصل مع غرفة التجارة والصناعة ومع المنطقة الاقتصادية الحرة ومع كل من مجلس إدارة المرفأ و المجلس الاقتصادي الاجتماعي وشركة منشآت النفط نظراً لتقاطع الكثير من القضايا الإنمائية مع هذه المجالس. كما يجب التواصل أيضاً مع كافة اتحادات بلديات الشمال وكافة خبراء الإنماء والتنمية للاستفادة من رؤيته الاستراتيجية ومن الدراسات المتوفرة لديهم. وذلك اختصاراً للوقت والجهد ولرفد الدراسات القديمة منها والجديدة بأفكار متطورة إذا لزم الأمر.
ان تكتب المشاريع بعد دراستها وتحديد جدواها بطريقة علمية ومنهجية وسلسة وواضحة ومفهومة لتكون بمتناول الجهات المانحة أو الدولة.
ان يتم تجزئة المشاريع بشكل لا يؤثر الجزء على الكل ولا الكل على الجزء بما يتلاءم مع المبالغ المالية المتاحة سواء أكانت صغيرة أم كبيرة، بمعنى ان هناك لكل تمويل مهما كان حجمه مشروعاً يتلاءم مع قيمته.
ان تجارب الآخرين وخبراتهم في مجالات اختصاصاتهم هي إثراء وغنى لكل عمل. فكيف إذا كان ذلك لمجلس تم إنشاؤءه لمنطقة محرومة تاريخياً وأبناؤها هم فريسة قوارب الموت؟