بأقلامهن

امواتنا فوق الارض وتحت الارض

إسراء ديب_البيان

لم تُحدث ذكرى تفجير مسجديّ “التقوى” و”السلام” ضجة كبيرة إعلاميًا هذا العام، وذلك بسبب انشغال الوسائل الإعلامية المحلّية في تغطية الغواصة الجديدة التي جاءت بتقنياتها المتطوّرة، وفق ما يقول القائمون عليها، لسحب زورق “الموت” والجثث التي غرقت في البحر بعد هجرة غير شرعية لم يُكتب لها النجاح، في وقتٍ يتحدّث فيه المعنيون عن اصطدام كبير بالمركب أدّى إلى غرقه بهذه الطريقة التي سجّلت فاجعة إضافية قد تختلف ولو بنسبة قليلة عن التفجيرين اللذين هزا المدينة منذ تسعة أعوام.

قد تختلف الذكرى الخاصّة بتفجير المسجدين عن حادثة الغرق لسبب واضح يُؤكّد معاناة الطرابلسيين ولا ينفيها أو ينكرها، فالتفجيران كانا قد وقعا بسبب تدخل يد خارجية أمعنت في قتل الطرابلسيين وذبحهم من “الوريد إلى الوريد” بكلّ ما أوتيت من قوّة وبطش كبيرين لأعوام طويلة، وذلك بعد تورط ضباط سوريين بهذه الجريمة الكبيرة بالاشتراك مع يد داخلية “ذبحت” مواطنين كان كلّ ذنبهم أنهم توجهوا إلى أداء صلاة الجمعة.

أمّا فاجعة الزورق فكانت قد أحدثت بصمة منذ أربعة أشهر وهي ستمتدّ لسنوات طويلة وسيذهب دماء ضحاياها غدرًا وهدرًا في دولة لا تعترف بالقضاء وعدالته ولا تسمح له “بأخذ مجراه” الروتينيّ لتحقيق المساواة والعدل، لكنّها جريمة موصوفة تمّت بيدّ داخلية خدمة لمصالحها وأهدافها، بدءًا من تاجر “البشر” الذي سلّم الغرقى والناجين “تسليم الأيادي” للموت بغدرٍ واضح، وصولًا إلى اللحظة التي قيل فيها إنّ الجيش كان قد اصطدم عمدًا بالقارب متسبّبًا بغرقهم، مع العلم أنّ الجيش كان قد نفى ببيان سابق نفيًا قاطعًا هذه الاتهامات التي اعتبرها أنّها باطلة، فيما رآها آخرون أنّها تزيد من الفتنة ضدّ المؤسسة العسكرية التي يقف إلى جانبها الطرابلسيون في كلّ مرّة، وقد أكّد بيان القيادة حينها “عملنا على إيقاف القارب وإقناع قائده أنّه معرّض للغرق حيث كان محمّلًا بما يزيد عن 15 ضعفًا لحمولته المسموحة، لكن لم يقتنعوا وقد اتخذ قائد القارب القرار بتنفيذ مناورات للهروب من الخافرة بشكلٍ أدّى إلى ارتطامه بها”.

يُمكن القول، أنّ الحادثتين تُشيران حرفيًا إلى واقع يعيشه الطرابلسيون منذ مدّة طويلة، فهم الثابتون على مواقفهم الصلبة المناهضة للنظام السوريّ والمناصرة للثورة السورية التي اعتبروها أنّها “مجيدة” حينها فاستشهدوا في لحظةٍ مقدّسة، وهم الصامدون والمندفعون إلى الهرب من نار جهنم وبئس المصير الموجودة في عهد الذلّ رئاسيًا وحكوميًا، فلا يخشون الموت ويهربون من موتهم إلى حياة جديدة كانت قد قدّرت أن يحيوا من أجلها في الحياة الآخرة لا في هذه الدنيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى