الاقتصاد

الذهب.. هل هو المستفيد الأكبر من أزمة البنوك؟




واصلت أسعار الذهب قفزاتها وصولاً إلى مستويات غير مسبوقة منذ ما يقرب من عام، في خطٍ متوازٍ مع الاضطرابات التي تحاصر القطاع المصرفي، لا سيما بعد أزمة بنك كريدي سويس في سويسرا، ومن قبلها إفلاس سيلكون فالي بالولايات المتحدة الأميركية.

حالة “عدم اليقين” بشأن اتجاهات القطاع المصرفي، والمخاوف المسيطرة على الأسواق من امتداد الأزمة لبنوك أخرى، على ما يبدو دفعت المستثمرين إلى تجنب المخاطرة، مُتجهين إلى الملاذات الآمنة الاعتيادية، وعلى رأسها المعدن الأصفر.

قفزت أسعار الذهب، الاثنين، بنسبة واحد بالمئة مسجلة أعلى مستوياتها منذ مارس من العام الماضي؛ لتعوض جزءا من الخسائر التي سجلتها في وقت سابق

ارتفع الذهب في المعاملات الفورية واحداً بالمئة إلى 2007.30 دولار للأونصة بحلول الساعة 0747 بتوقيت غرينتش، بعد تراجعه بواحد في المئة في وقت سابق من الجلسة.

قفزت العقود الأميركية الآجلة للذهب اثنين في المئة إلى 2012.50 دولار.

ad
ومنذ أزمة انهيار سيلكون فالي في وقت سابق من الشهر الجاري، ومع ارتفاع الطلب على الذهب ارتفعت الأسعار بحوالي 10 بالمئة (نحو 180 دولاراً).

يأتي ذلك رغم الجهود المبذولة للحد من المخاوف المسيطرة على القطاع المصرفي، سواء في الولايات المتحدة والإجراءات المتخذة بعد انهيار سيلكون فالي، وكذلك في سويسرا مع استحواذ “يو بي إس” على “كريدي سويس”.

البحث عن ملاذ آمن

عضو المجلس الاستشاري لمعهد الأوراق المالية والاستثمار البريطاني في دبي، وضاح الطه، يقول في تصريحات لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الذهب ملاذ آمن في ظل فترات عدم اليقين، وبالتالي أهمية الذهب تتزايد في مثل تلك الظروف، وهذا ما ستتم ترجمته عملياً خلال العام 2023 في ضوء الأزمات الراهنة.

ويشير إلى أنه في ضوء ما حدث بالنسبة لأزمات البنوك -بدءاً من أزمة سيلكون فالي وحتى أزمة كريدي سويس واستحواذ “يو بي إس” عليه أخيراً- كان الذهب هو الملاذ الآمن للكثيرين، وهو ما يبرر الارتفاعات الراهنة في أسعاره أخيراً.

ويضيف: “حركة الذهب يتم تشخيصها ليس فقط بشكل عام من خلال سعره وارتباطه بالتطورات التي تشهدها قطاعات أخرى، وإنما من خلال تحليل مختلف أوجه الطلب عليه؛ سواء لأغراض المجوهرات أو الطلب عليه كعملات والطلب في قطاع التكنولوجيا والطلب من خلال صناديق الاستثمار المتخصصة والطلب من خلال البنوك المركزية.. إلخ”.

دور البنوك المركزية

ويشير الخبير الاقتصادي إلى “الطلب على الذهب من قبل البنوك المركزية”، لافتاً إلى تقرير مجلس الذهب العالمي 2022 الذي يؤكد الإقبال الكبير من الدول على زيادة رصيدها من الذهب، ومن البيانات الواردة بالتقرير، ما يلي:

إجمالي الطلب على الذهب ارتفع 18 بالمئة في 2022 ليصل إلى 4742 طناً تقريباً
1136 طناً من إجمالي الطلب المقدر بـ 4742 طناً، هي طلبات من قبل البنوك المركزية، وهذا رقم قياسي هو الأعلى منذ العام 1967.
10 دول في الفترة من 1999 وحتى 2021 كانت الأكثر تركيزاً على شراء الذهب بالاستحواذ على 84 بالمئة من المشتريات (في مقدمتها روسيا والصين).
روسيا والصين خلال 10 سنوات تقريباً شكلتا وحدهما 51 بالمئة من مشتريات البنوك المركزية بالعالم من الذهب.

اضطرابات القطاع المصرفي

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي في لندن، الدكتور أنور القاسم، في تصريحات لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الأزمة التي يواجهها القطاع المصرفي دفعت المستثمرين إلى البحث عن خيارات جديدة، فتم اللجوء إلى الذهب باعتباره “ملاذ آمن وقت الأزمات”، بينما اتجه آخرون نحو العملات المشفرة لتحقيق مكاسب سريعة، لافتاً إلى أن القطاع المصرفي تكتنفه حالة عدم استقرار امتدت بقوة لأسواق الأسهم والسندات.

ويشير إلى أنه “على سبيل المثال ارتفع سعر عملة البيتكوين إلى أكثر من 28 ألف دولار (قفزت بنسبة 50 بالمئة منذ بداية أزمة البنوك)، فيما وصل الذهب إلى ألفي دولار للأونصة”.

ويشدد على أنه “رغم لجوء البنوك المركزية إلى رفع الفائدة لخفض معدلات التضخم وتفادي شبح الركود، إلا أن ما حدث لبنكي سيلكون فالي وسيغنيتشر سيضطرها لإعادة النظر في سياساتها مجدداً”، موضحاً أن “هذا الوضع الجديد قد يدفع إلى تركيز البنوك من الآن على الذهب، لكن أيضاً قد تتخذ بعض البنوك العملات الرقمية كاحتياطي معادل للذهب، وقد نشهد تحولات وتغيرات في المعاملات المالية التقليدية نحو تعزيز طرق عمل العملات المشفرة”.

وفي السياق، تسود حالة من الترقب بشأن قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشأن سعر الفائدة.

ويعد الذهب وسيلة تحوط ضد التضخم، لكن أسعار الفائدة المرتفعة تميل إلى إضعاف جاذبيته على اعتبار أنها تزيد من تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالمعدن الذي لا يدر عائداً دورياً.

إجراءات احتواء أزمة البنوك.. هل تؤثر على أسعار الذهب؟

وأمام تلك المعطيات، تدور التساؤلات حول الاتجاهات المستقبلية لأسعار الذهب، خاصة مع الإجراءات المتبعة لاحتواء أزمة البنوك أخيراً.

في هذا السياق، تقول الخبيرة المصرفية سهر الدماطي، في تصريحات لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الواقع الحالي يشير إلى أن أسعار الذهب متجهة للارتفاع بشكل أكبر في ظل الاضطرابات التي يشهدها القطاع المصرفي.

وتلفت الدماطي، إلى أن “هذه المرة الفيدرالي الأميركي والخزانة الأميركية تحركوا بسرعة وأخذوا خطوات سريعة للحد من أضرار انهيار البنوك، وفي أوروبا تم التحرك للاستحواذ على بنك كريدي سويس، وهذه الإجراءات تقلل إلى حد ما فرص السقوط في أزمة كتلك التي حدثت عام 2008”.

لكنها تؤكد أن “الذهب سيشهد إقبالاً كبيراً في ظل غياب النظام الاقتصادي المستقر، ومع استمرار احتمالات وجود أزمة عالمية مثل أزمة 2008”. فيما تدعو في الوقت نفسه إلى “الأخذ في الاعتبار أن الذهب استثمار طويل الأجل؛ كونه لا يدر عائداً شهرياً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى